رانيا سليمان سعد الدين

أدلى رئيس الوزراء الهندي "ناريندرا مودي" ببيانٍ رسمي، يوم 24 أبريل 2025، أعلن خلاله عزم حكومة بلاده مُتابعة الجهود القضائية والأمنية لملاحقة المتورِّطين في الهجوم الإرهابي الذي استهدف منطقة باهالجام السياحية بجبال الهيمالايا، التابعة للقطاع الخاضع للإدارة الهندية من إقليم كشمير، في 22 أبريل 2025، وهو الحادث الأكثر دمويةً منذ سنوات؛ حيث أسفر عن مقتل 26 فرداً غالبيتهم من المواطنين الهنود، وإصابة العشرات بجروح متفاوتة الخطورة، وجاء في البيان تأكيدٌ على التزام الهند الثابت بمحاربة الإرهاب بكل أشكاله، في وقتٍ كشفت فيه الشرطة الهندية عن اشتباهها في ضلوع أربعة أفراد في تنفيذ الهجوم، بينهم اثنان يحملان الجنسية الباكستانية وفقاً للتحقيقات الأولية. وتُثير تلك التطورات تساؤلاتٍ حول التداعيات المُحتملة على المسار الدبلوماسي بين نيودلهي وإسلام أباد، خاصةً في ظلّ التحسُّن النسبي الذي طبع علاقات البلدين منذ عام 2021، حيث يُنظر إلى الحادث كاختبارٍ لمرونة التعافي التدريجي في العلاقات الثنائية وسط توترات إقليمية تاريخية.دلالات الهجوميستدعي الهجوم عدداً من الدلالات الرئيسية المتمثلة فيما يلي: 1- استهداف المدنيين غير المسلمين: أفادت تقارير إعلامية بوقوع حادث إطلاق نار من مسافة قريبة استهدف سياحاً من الذكور غير المسلمين في منطقة باهالجام السياحية، حيث تبيَّن أن المنفذين قد قاموا باختبار الضحايا عبر مطالبتهم بقراءة آيات قرآنية، وقتل من يفشل في الاختبار، وهو تكتيك يخدم أجندة الجماعات المسلحة الرامية إلى تفكيك النسيج المجتمعي في كشمير، مما يُضعف أي جهود مستقبلية للحوار الداخلي، ويعزز سردية الاضطهاد الديني التي تُروجها تلك الجماعات، وبينما صنَّفت الجهات الحكومية الحادث كعمل إرهابي موجَّه ضد المدنيين، نفت الجهة المنفذة في بيانها صفة المدنية عن الضحايا، مُدعيةً وجود صلة بينهم وبين الأجهزة الأمنية الهندية.2- تبني جماعة "مقاومة كشمير" للهجوم: أعلنت جماعة مسلحة تحمل اسم "مقاومة كشمير"، لم تكن معروفة سابقاً، مسؤوليتها عن الهجوم، مُبررةً فعلتها بمعارضتها توطين أكثر من 85 ألف أجنبي في الإقليم، وهو ما أدى إلى اختلال التوازن الديموغرافي، على حد زعمها. ومن جهة أخرى، رجَّحت مصادر إعلامية هندية أن تكون هذه الجماعة واجهة لتنظيمات مسلحة مقيمة في باكستان، مع إشارة إلى اتهاماتٍ موجَّهة لإسلام أباد بدعم العملية.3- دعم الحركات الانفصالية في الإقليم: وقع الهجوم في إقليم ذي أغلبية مسلمة، ما يُعزِّز الروايات التي تربط بين العنف المسلح والمطالب الانفصالية الرامية إلى استقلال الإقليم عن الهند أو انضمامه إلى باكستان، كما يُعد هذا التصعيد ضربةً لاستراتيجية رئيس الوزراء "ناريندرا مودي"، الذي ادعى استعادة الاستقرار في كشمير بعد إلغاء وضعها الخاص كولاية ذات حكم ذاتي وإخضاعها للإدارة الفيدرالية المباشر عام 2019.4- استهداف الصورة الدولية للهند: يحمل الهجوم أبعاداً سياسية تهدف إلى تشويه السمعة الدولية للهند؛ إذ وقع في منطقة نائية بوادي بيساران التي تُعد وجهة سياحية تُزار عبر مسارات مشي أو ركوب الخيل، مما يسلط الضوء على هشاشة الأمن في مناطق تُروَّج عالمياً كوجهات آمنة، كما تزامن التوقيت مع زيارة نائب الرئيس الأمريكي "جيه دي فانس" وعائلته للهند، وقُرب موسم حج هندوسي ضخم، مما يُعزِّز فرضية استغلال الحدث إعلامياً لتحقيق أقصى تأثير.5- الإضرار بالاقتصاد الهندي: يُرجح أن يكون الهدف الاقتصادي للهجوم هو تعطيل جهود إحياء النشاط السياحي والاقتصادي في كشمير، عبر إثارة الذعر وإجبار السياح على مغادرة المنطقة فوراً، خصوصاً وأن الحكومة الهندية كانت تسعى لتعزيز صورة الإقليم كمنطقة آمنة لجذب الاستثمارات، وهو ما يُعيق الاستثمارات ويعمق العزلة الاقتصادية، ويُغذي حلقة مفرغة من الفقر والتطرف.تداعيات محتملةيؤدي الهجوم الإرهابي في كشمير إلى تداعيات إشكالية على مستوى الداخل الهندي وكذلك على مستوى العلاقات بين باكستان والهند، وبوجه عام يمكن تناول هذه التداعيات على النحو التالي: 1- تصاعد الضغوط داخل الهند للمطالبة بالعدالة: تشهد الساحة الهندية موجة غير مسبوقة من التعبئة الشعبية تطالب بمحاسبة الجهات المسؤولة عن الهجوم الإرهابي الأخير، حيث تجلّت هذه الضغوط في مسيرات احتجاجية حاشدة اجتاحت العاصمة نيودلهي وامتدت إلى مدن كبرى مثل مومباي وتشيناي، مصحوبة بحراكٍ مدني واسع شمل إضراباتٍ موسعة وإغلاقاً طوعياً للمدارس والمؤسسات التجارية في إقليم كشمير.2- تزايد حدة التوتر الدبلوماسي بين الهند وباكستان: في خطوة تصعيدية، استدعت وزارة الخارجية الهندية القائم بأعمال المفوضية الباكستانية، مُحمّلةً إسلام أباد المسؤولية الكاملة عن الهجوم، وهو اتهامٌ نفته باكستان جملةً وتفصيلاً، ولم تتوقف الاستجابة الهندية عند حدّ التعبير الدبلوماسي، بل تجاوزته إلى حزمة إجراءات عقابية غير مسبوقة شملت تعليق العمل بمعاهدة مياه السند لعام 1960 (التي تُنظّم توزيع الموارد المائية بين البلدين وتُعدّ عماد الأمن المائي الباكستاني)، بالإضافة إلى خفض التمثيل الدبلوماسي المتبادل، وإغلاق معبر "أتاري-واجا" الحدودي الحيوي، وتقييد حركة التأشيرات؛ حيث أعلنت نيودلهي إلغاء تأشيرات "رابطة جنوب آسيا للتعاون الإقليمي (SAARC)" للمواطنين الباكستانيين، مع منح مهلة 48 ساعة للمتواجدين منهم على الأراضي الهندية لمغادرة البلاد. هذه الإجراءات، التي تُقرأ في سياق التصعيد التاريخي بين الجارتين النوويتين، قد تؤدي إلى شللٍ في القنوات الدبلوماسية القائمة، وتُهدّد بتفجير أزماتٍ متعددة المستويات، خاصةً في ظل التخوفات الباكستانية من تحوّل تعليق المعاهدة المائية إلى أداة ضغطٍ استراتيجي تمسّ مقومات الحياة الأساسية لملايين المواطنين.3- تنامي التأييد الداخلي لسياسة التصعيد الهندية ضد باكستان: لاقت الإجراءات الهندية ترحيباً واسعاً من الأطراف السياسية المحلية، لا سيما حكومة إقليم جامو وكشمير، التي رأت فيها رداً متناسباً مع خطورة الهجوم، ويُلاحظ أن هذا الدعم المحلي لا يقتصر على تعزيز الشرعية السياسية للحكومة المركزية فحسب، بل يعمل أيضاً على تهيئة الرأي العام لتقبُّل سيناريوهات تصعيدية أكثر حِدّة، سواء عبر فرض عقوبات اقتصادية إضافية أو حتى التمهيد لعمليات عسكرية محدودة، غير أن هذا المسار يحمل في طياته مخاطرَ جسيمة، إذ قد يؤدي إلى تفاقم الأوضاع الإنسانية في المناطق الحدودية، وتعطيل سلاسل الإمداد التجارية، وتأجيج المشاعر القومية المتطرفة على الجانبين، مما يُصعّد من تحديات تحقيق الاستقرار الإقليمي على المدى المتوسط.4- احتمالية تفاقم التوترات الطائفية داخل الهند: يرجح أن يدفع الهجوم الإرهابي في كشمير نحو المزيد من التوترات الطائفية داخل الهند، حيث جاءت العملية الإرهابية بعد أيام من التوترات والاحتجاجات من جانب المسلمين على خلفية قانون الأوقاف الجديد. وفي هذا السياق، قد يدفع الهجوم في كشمير نحو المزيد من التأزم الطائفي وخاصة مع الاتهامات لباكستان بالتورط في الهجوم، كما أن حزب بهاراتيا جاناتا نظم بعض الاحتجاجات تنديداً بالهجوم الإرهابي، وخلال بعض الاحتجاجات تم إحراق تمثال رمزي يمثل باكستان.5- تبني باكستان خطاباً تصعيدياً تجاه الهند: في مقابل السياسات الهندية، تبنت باكستان خطاباً تصعيدياً تجاه الهند. وفي هذا السياق، أصدر مجلس الأمن القومي الباكستاني عقب اجتماعه الطارئ برئاسة رئيس الوزراء "شهباز شريف" بياناً حذر فيه من أن أي محاولة من جانب الهند لوقف أو تحويل تدفق مياه نهر السند، الذي تنظمه معاهدة مياه السند الموقعة عام 1960، سيُعتبر "عملاً حربياً"، متوعدة بالرد "بكامل القوة وعبر جميع أدوات القوة الوطنية. كما أعلنت باكستان أنها ستعيد تقييم كافة الاتفاقات الثنائية الموقعة مع الهند، بما فيها اتفاق سيملا الذي ينظم العلاقات الدبلوماسية والأمنية بين البلدين.6- بقاء احتمالات التصعيد العسكري بين نيودلهي وإسلام أباد: تتزايد التكهنات حول احتمال لجوء الهند إلى خيارات عسكرية استباقية، مستندةً إلى تصنيف الهجوم الأخير كخرقٍ صريح لاتفاقية وقف إطلاق النار الموقعة عام 2021، وذلك على غرار الضربات الجوية الهندية في عام 2019 رداً على هجوم "بولواما"، والتي أدت إلى مواجهات جوية مباشرة بين الطرفين، وبالتالي فقد تشن القوات الهندية عملياتٍ عسكرية مُوجَّهة تستهدف مواقع يُعتقد أنها تدعم الجماعات المسلحة في الجانب الباكستاني، الأمر الذي يحمل في طياته مخاطر التورط في مناوشات متبادلة قد تخرج عن السيطرة، خصوصاً في ظل لتحذيرات الباكستانية من أن تعليق معاهدة نهر السند قد يكون مقدمةً لسياسات هندية تهدف إلى استخدام المياه كسلاح جيوسياسي، مما يضاعف من تعقيدات الملف الأمني ويُحوّله إلى صراعٍ متعدد الأبعاد يشمل الموارد الحيوية والأمن القومي.7- حشد الهند المزيد من الدعم الدولي: نجحت الهند في حشد دعم دولي واسع عبر إدانات رسمية من قِبل أكثر من 30 دولة ومنظمة دولية، بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية، ممثلة في تصريحات الرئيس الأمريكي "دونالد ترامب"، ونائبه "جيه دي فانس"، والاتحاد الأوروبي ممثلاً في رئيسة المفوضية الأوروبية "أورسولا فون دير لاين"، إضافة إلى دول آسيوية كبرى مثل الصين وماليزيا، ولا تقتصر أهمية هذه الإدانات على البُعد الأخلاقي فحسب، بل تمتد إلى تعزيز الموقف التفاوضي الهندي في المحافل الدولية، وتوفير غطاء سياسي محتمل لأي إجراءات مستقبلية.وفي سياق ذي صلة، إذا أثبتت التحقيقات الهندية تورط عناصر باكستانية في الهجوم، فقد تدفع الهند نحو عزل باكستان دولياً عبر حملة دبلوماسية مكثفة، ولكن نجاح هذا المسار يعتمد على إثبات الأدلة، وقدرة الهند على كسب دعم دول كالصين، التي تميل تاريخياً لدعم باكستان.وفي الختام، يُمكن القول إن الهجوم ليس مجرد عملية إرهابية، بل هو عبارة عن تصدعات بنيوية في إدارة الصراع الكشميري؛ حيث لم تتمكَّن الهند من تحقيق التوازن بين الأمن والتنمية في كشمير، وفي المقابل لم تتمكَّن باكستان من إحكام السيطرة على الجماعات المسلحة، ومن ثمّ أصبحت هناك بيئة خصبة لتكرار الأزمات، ومن ثمَّ فإن الحل الجذري يتطلب إعادة تعريف العلاقة بين نيودلهي وكشمير عبر إشراك السكان في عملية سياسية حقيقية، وإعادة بناء الثقة مع إسلام أباد عبر قنوات حوار متعددة المستويات، بدلاً من الاعتماد على الردود الانفعالية التي تزيد المنطقة اشتعالاً.

تداعيات الهجوم الإرهابي في كشمير بالهند